”كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ“
[فصلت:3]
فضل اللغة العربية، وضرورة تعلمها
إن اللغة العربية هي وعاء الكتاب الخالد بها أنزل وحفظ، وكل متعلم ومعلم في حاجة إليها؛ لأنها أساس كل علم ومناطه؛ فاللغة العربية خير اللغات والإقبال على تفهمها من العبادات؛ إذ هي أداة العلم ومفتاح التفقه في الدين؛ كما أنها أمتن اللغات وأوضحها بيانا وأذلقها لسانا وأمدها رواقا وأعذبها مذاقا، ومن ثم فقد اختارها الله تعالى لأشرف رسالة ولخاتم أنبيائه، وجعلها لأهل سمائه وسكان جنته، وأنزل بها كتابه المبين، وهي لغة الإيجاز والبيان والإعراب والبلاغة والفصاحة.ولغتنا العربية تمثل المضمون الروحي لشخصيتنا العربية وهي مناط قوميتنا وأساس تراثنا؛ ومادة ثقافتنا وحضارتنا، وهي مستودع رسالة السماء الخالدة؛ وبهذا فهي لا تنفصل عن الدين فقد سارت في ركاب الإسلام؛ وحلت حينما حل؛ فكانت أداة التواصل الروحي والبدني والديني والفكري بين الأمم والإسلام.
والمسلم يحتاج إلى لغته العربية ليفقه دينه ويؤدي العبادات المفروضة عليه ولكي يأخذ دينه من منبعه الأصيل؟ [من كتاب: في فضل اللغة العربية].
ويكفي اللغة العربية فضلا أنها لغة القرآن الكريم، قال الله تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ . نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ . عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ . بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ) [الشعراء:192-195].
يقول شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله: ”اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميّزون“. [اقتضاء الصراط المستقيم].
وقد فضلت اللغة العربية بالقرآن الكريم، وبه شرفت وارتفعت وخلدت وعلت، كما استطاعت أن تكون أداة طيعة لآيات الذكر الحكيم، ومعانيه العظيمة، وذلك بأساليبها التعبيرية الفائقة البديعة.
يقول الإمام ابن كثير رحمه الله عند تفسير قوله تعالى : (إنا أنزلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون) [يوسف:2]: ”وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات، وأبينها وأوسعها وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس، فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات على أشرف الرسل بسفارة أشرف الملائكة، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض، وابتدئ إنزاله في أشرف شهور السنة وهو رمضان، فكَمُل من كلّ الوجوه.“ [تفسير ابن كثير:3/121].
ولهذا كانت العلاقة عضوية وأساسية بين اللغة العربية والقرآن الكريم، فاللغة وعاء الكتاب الخالد، بها نزل وحفظ وخلد، والقرآن الكريم شرفها ورفعها وزادها فخرا وثراء وعظمة؛ ولذا فكل مسلم محتاج إلى هذه اللغة الشريفة؛ ليفقه دينه ويؤدي العبادات المفروضة؛ ولكي يأخذ الدين من منبعه الأصيل.. كما أن كل عالم ومتعلم في حاجة لهذه اللغة لأنها الأساس لكل علم ومناطه.
يقول الإمام ابن قيّم الجوزيّة رحمه الله: ”وإنّما يعرف فضل القرآن مَنْ عرف كلام العرب، فعرف علم اللغة وعلم العربية، وعلم البيان، ونظر في أشعار العرب وخطبها ومقاولاتها في مواطن افتخارها، ورسائلها“ [من كتاب الفوائد المشوق إلى علوم القرآن].
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: ”اللسان الذي اختاره الله عز وجل لسان العرب فأنزل به كتابه العزيز، وجعله لسان خاتم أنبيائه محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ ولهذا نقول: ينبغي لكل أحد يقدر على تعلم العربية أن يتعلمها.“.
وقال أبو منصور الثعالبي في كتابه (فقه اللغة وسر العربية): ”ومن هداه الله للإسلام، وشرح صدره للإيمان، وأتاه حسن سريرة فيه اعتقد أن محمداً خير الرسل، والإسلام خير الملل، والعرب خير الأمم، والعربية خير اللغات والألسنة، والإقبال عليها وعلى تفهمها من الديانة، إذ هي أداة العلم“.
قال الأستاذ مصطفى صادق الرافعى – رحمه الله – فى كتاب وحي القلم 3/33 : ”ما ذَلّت لغةُ شعبٍ إلا ذلّ، ولا انحطَّت إلا كان أمرُهُ فى ذهابٍ وإدبارٍ، ومن هذا يفرِضُ الأجنبيُّ المستعمرُ لغتَه فرضاً على الأمةِ المستعمَرَة، ويركبهم بها ويُشعرهم عَظَمَته فيها، ويَستَلحِقُهُم من ناحيتها، فيحكم عليهم أحكاماً ثلاثةً فى عملٍ واحدٍ: أما الأولُ: فحبْسُ لغتهم فى لغتِهِ سِجناً مؤبداً. وأما الثاني: فالحكمُ على ماضيهم بالقتل محواً ونسياناً. وأما التالثُ: فتقييدُ مستقبلهم فى الأغلالِ التى يصنعُها، فأمرهم من بعدِها لأمرِهِ تَبَعٌ“.
وسيلة فهم الشريعة:
ويقول الأستاذ أحمد حسني: ”إن اللغة العربية هي الوسيلة الوحيدة لفهم شريعة الإسلام، ولقد أدرك العرب منذ نزول القرآن مدلول خطابه، وكانوا يدركون تماماً أن العربية من الدين، وأنه لا سبيل إلى فهم العقيدة والتزام الشريعة بغير اللغة العربية“.
يقول أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله تعالى في كتابه الموافقات : (إن هذه الشريعة المباركة عربية، فمن أراد تفهمها فمن جهة لسان العرب يفهم، ولا سبيل إلى تطلب فهمها من غير هذه الجهة).
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: ”إن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، لأن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا باللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب“ [اقتضاء الصراط المستقيم:207].
وقال أيضا: ”وما زال السلف يكرهون تغيير شعائر العرب حتى في المعاملات، وهو التكلم بغير العربية إلا لحاجة“، كما نص على ذلك مالك والشافعي وأحمد، بل قال مالك: (من تكلم في مسجدنا بغير العربية أُخرجَ منه) [الفتاوى:32/255].
وقال الشافعي رحمه الله: ”فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده حتى يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، ويتلو به كتاب الله، وينطق بالذكر فيما افترض عليه من التكبير، ومن التسبيح، والتشهد وغير ذلك.“ [الرسالة:48].
يقول ابن الأثير رحمه الله: “معرفة اللغة والإعراب هما أصل لمعرفة الحديث وغيره، لورود الشريعة المطهرة بلسان العرب“.
يقول ابن الأنباري: ”إن الأئمة من السلف والخلف أجمعوا قاطبة على أنه شرْط فى رتبة الاجتهاد، وأن المجتهد لو جمع كل العلوم لم يبلغ رتبة الاجتهاد حتى يعلم النحو، فيعرف به المعاني التي لا سبيل لمعرفتها بغيره. فرتبة الاجتهاد متوقفة عليه، لا تتم إلا به“.
محبة العربية
فبان بما سبق فضل اللغة العربية وأهمية تعلمها بل وجوب ذلك كما قال جمع من العلماء، ولو ذهبنا نستقصي كلام الناس في هذا الباب لطال بنا المقام، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق. ومن اطلع على كلام أهل العلم تبين له فضل اللغة العربية على سائر اللغات واللهجات، وأنه ينبغي للمسلم أن يحبها أكثر مما يحب أية لغة أخرى.
قال الإمام أبو منصور الثعالبي -رحمه الله-: ”من أحبّ الله تعالى أحبّ رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن أحبّ النبي العربي أحبّ العرب، ومن أحبّ العرب أحبّ اللغة العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب، ومن أحبّ اللغة العربية عُني بها، وثابر عليها وصرف همته إليها، إذ هي أداة العلم، ومفتاح التفقه في الدين، وسبب إصلاح المعاش والمعاد“.
[ المصدر : إسلام ويب – https://islamweb.net/ar/article/233992 ]